بقلم: د. أحمد أبو العلا – استشاري أمراض الباطنة
مع بداية كل خريف، تتداخل مشاعر الأمل والترقب في قلوب الأسر، إذ يودّعون أبناءهم وهم يخطون أولى خطواتهم في عالم الجامعات. وبين حماس القاعات الجديدة وزحام الأنشطة، يطلّ شتاء قادم محمّل برياح باردة وجراثيم تبحث عن فرصة للانتشار. وهنا تتقاطع أحلام العلم مع مسؤولية الحفاظ على الصحة، لتتشكل معادلة دقيقة عنوانها: «الوقاية نصف النجاح».
في أروقة الجامعات، حيث الحشود واللقاءات اليومية، تصبح الفيروسات – وعلى رأسها الإنفلونزا ونزلات البرد – ضيوفًا غير مرغوب فيها. ولأن العدوى لا تفرق بين طالب متفوق وآخر يبحث عن بدايته، يصبح الوعي هو الحصن الأول.
فالتطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية ليس رفاهية، بل هو خطوة استباقية تحمي طلابنا من فقدان أيام دراسية مهمة، كما أن الحرص على غسل اليدين أو تعقيمهما قبل تناول الطعام وبعد لمس الأسطح المشتركة يُعد خط الدفاع الأبسط والأقوى.
التهوية الجيدة داخل القاعات والمكتبات تمنح الطلاب فرصة للتنفس بعيدًا عن تراكم الميكروبات، بينما يدعم الغذاء المتوازن الغني بفيتامين “سي” والزنك جهازهم المناعي ليقف صامدًا أمام برد الشتاء. ولا يقل النوم العميق ليلاً أهمية عن أي محاضرة صباحية، فهو السر في صفاء الذهن وسرعة الاستيعاب.
أما الملابس المناسبة، فهي رفيق الطريق، إذ تساعد الطبقات الخفيفة المتدرجة في التكيف مع تقلبات الجو، مع ضرورة تجنب التعرض المفاجئ للبرودة بعد ممارسة الرياضة أو الجري بين القاعات.
ولا تكتمل منظومة الوقاية إلا بدور الجامعات نفسها، التي ينبغي أن توفر بيئة نظيفة، وعيادات مجهزة، ورسائل توعوية مستمرة. وللطلاب الذين يعانون أمراضًا مزمنة – كالربو أو السكري أو أمراض القلب – تبقى المتابعة الطبية المنتظمة وحمل الأدوية الأساسية ضمانًا لاستقرار صحتهم طوال اليوم الدراسي.
وإلى جانب الصحة الجسدية، لا يجب أن نغفل الصحة النفسية لأبنائنا. الانتقال من مرحلة المدرسة إلى الجامعة قد يصاحبه شعور بالقلق أو ضغط التكيف مع بيئة جديدة. هذه المشاعر، إن لم تجد من يحتويها، قد تضعف المناعة وتجعل الجسم أكثر عرضة لالتقاط العدوى. لذا فإن الدعم العاطفي من الأسرة، وحُسن الاستقبال من إدارات الجامعات، والتشجيع على تكوين صداقات صحية، كلها عناصر تسهم في تحصين الطالب ليس فقط ضد نزلات البرد، بل ضد كل ما يعكر صفوه في بداية هذه المرحلة الحاسمة من حياته.
في نهاية المطاف، يظل الهدف واحدًا: أن يظل أبناؤنا في أمان، وأن يحافظوا على نشاطهم وتركيزهم ليعبروا هذا الشتاء بسلام، حاملين شعلات العلم دون أن تعرقلهم نزلات البرد أو التهابات الحلق. فالصحة والعلم جناحان، ولا يكتمل التحليق إلا بهما معًا.